كلّ طفل هو استثنائي وله احتياجات استثنائية، يعبّر عنها بطرق استثنائية. وكلّ طفل يصبح شاباً نموذجياً بقوّته وضعفه. أحياناً، يعرف الأهل ما هو الأفضل للطفل. وأحياناً أخرى يعتقدون أنّهم يعرفون. ولكن من غير المفترض أن يتوقعوا منه أن يرغب بما يرغبون، أو يتصرف كما يتصرفون.
كلما تعرف الأهل أكثر إلى شخصيات أطفالهم، تمكنوا من مساعدتهم على تطوير قوتهم والتغلب على ضعفهم، وعلى أن يصبحوا شباباً مستقلين وسُعداء. تختلف أمزجة الأطفال باختلافهم. والمزاج هو مجموعة من السمات التي تجعل من الإنسان شخصاً استثنائياً. ويلعب المزاج دوراً فعّالاً في تقرير كيفيّة تفاعل الإنسان مع العالم المحيط به. إنّ طريقة فهم الطفل لأي وضع جديد هي خير مثال على دور المزاج في حياته. مثلاً، لننظر في تجربة ثلاثة أطفال: رامي وسامي وهاني. في عمر السنتين، يدخلون صف الروضة لأوّل مرّة، ولنرَ كيف يتصرف كلّ منهم عند دخول الصف. يمكن أن يفتح رامي وأُمّه باب الغرفة، يتفقد الصف، ثمّ خلال دقائق معدودة، يترك يد أُمّه، يخلع جاكيته وينضم إلى اللعب مع أطفال يبنون بُرجاً من المكعبات الخشبية. بينما يمضي سامي معظم الوقت واقفاً إلى جانب أُمّه ممسكاً بثيابها. وبعد مراقبة الأطفال لفترة قصيرة، يبتعد بضعة سنتيمترات عنها ليلقي نظرة على الأطفال الذين يبنون البرج. تقترح عليه أُمّه الانضمام إليهم. يمسك سامي يدها ويطلب منها الذهاب معاً للعب مع الأطفال ثمّ يجلس إلى جانبهم ويشاركهم اللعب. في حين يترك هاني يد أُمّه بمجرد وصوله إلى باب المدرسة. يدخل مسرعاً إلى غرفة الصف، ومن دون أن يحاول تفحّص ما يجري داخلها، يُسرع نحو طفلين يزحفان على الأرض. يخطف اللعبة من يد أحد الأطفال ويصرخ قائلاً: "إنّها لي.. إنّها لي".
إنّ تجربة هؤلاء الأطفال الثلاثة، تُبيّن لنا مدى اختلاف أمزجتهم. من هنا، لابدّ أن تعرف الأُم شخصية طفلها لتعرف كيف تتعامل معه. هذا دليل يبيّن مواصفات بعض من الشخصيات المختلفة، ويمكن أن يساعد الأُم في التعرف إلى شخصية طفلها ومزاجه، وكيفيّة التعامل معه. قد يساعد هذا الدليل على تحديد النموذج الأقرب إلى شخصية طفلها. مع الأخذ بعين الاعتبار، إنّ معظم الأطفال الصغار لا يتوافقون مع فئة واحدة فقط.
- الطفل المفرط في الحساسية:
يمتاز الطفل الحساس بأنماط عديدة من التصرف، وأكثر شيوعاً الخوف والحذر. في مرحلة الطفولة، لا يحب الطفل الحساس إجراء أي تعديل أو تغيير على الروتين اليومي. من هنا، قد يرفض أي روتين جديد في السنوات الأولى، يمكن أن يُبتلى هذا الطفل بالخوف والإرهاق الشديدين، وقد يبدو خجولاً عند محاولته إقامة الصداقات وعند التفاعل مع أشخاص بالغين. وفي مرحلة الطفولة المتأخرة، قد يشعر بالقلق والاضطراب والذعر، ولا يثبت مزاجه على حال واحدة، قد يصاب بالاكتئاب. بشكل عام، يميل الطفل الحساس إلى الشعور بالكبت، وإلى التفاعل مع الغير والتكيّف معهم وفقاً للظروف. يتأثر الطفل مفرط الحساسية بسهولة بالأحداث العاطفية والشخصية. يميل أيضاً إلى أن يكون واسع الإدراك. فهو يدرك بدقة ووضوح كلّ ما يجري من حوله، وهو حساس جدّاً لمشاعر الآخرين، ويستطيع "قراءة" الأشخاص الآخرين من خلال التعبيرات المرسومة على وجوههم، ولغة أجسادهم، ونبرة أصواتهم. ونظراً إلى تفاعله مع محيطه، يميل إلى التركيز على تفاصيل كلّ ما يشاهد، ويسمع، ويختبر. يمكن أن يبالغ الطفل الحساس في رد فعله حيال اللمسة والأصوات العالية، والأنوار الساطعة. كما أنّ النظرات، والأصوات، وبعض الضحكات التي تُسعد الأطفال الآخرين يمكن أن تُربك الطفل الحساس، وتثير غضبه وأحياناً تؤلمه بشدة.
يمكن أن تُسهم العوامل الداخلية في تحفيز الطفل مفرط الحساسية كما الأحداث الخارجية. قد يلقي الطفل نفسه على الأرض، وينفجر في البكاء، أو يقفز وهو يصيح فرحاً، أو يصرخ ويضرب الجدران برأسه من شدة الغضب. وقد تؤثر حساسيته المفرطة في النواحي الجسدية، فيشكو الطفل وجعاً في العضلات والمعدة وفي أجزاء داخلية أخرى. إنّ أفضل طريقة للتعامل مع الطفل الحساس هي التعاطف معه بشكل دائم، التعامل معه بحزم ولكن بلطف شديد، وتقديم الدعم الدائم له ليخوض تجارب جديدة.
- الطفل المنطوي على ذاته:
قد يبدو الطفل المنطوي على نفسه غير مبالٍ، ويظهر عليه التعب بسهولة. في مرحلة الطفولة، يمكن أن يبدو هادئاً وربما محبطاً وغير مكترث لاكتشاف العالم أو الأشياء المحيطة به. قد لا يستجيب بسرعة للمسة اليد، أو الصوت، أو أي حركة أخرى الهدف من ورائها تنبيهه. وفي عمر ثلاث إلى خمس سنوات، قد يبدو مستسلماً وغير متحمس لاكتشاف العالم والتعرف إلى محيطه، لكنه قد يتفهّم الروتين ويتقبّله أكثر من معظم الأطفال الآخرين الذين هم في مثل سنّه. أمّا في سن البلوغ، فقد يبدو منطوياً على ذاته غير مبالٍ للعالم. ومع ذلك، قد تزداد قدراته الخيالية ومداركه الاستقلالية كلما كبر ونضج.
من حيث البنية الجسدية، يحتاج الطفل المنطوي على ذاته، عكس الطفل مفرط الحساسية، إلى تحفيز كثير: إلى كثير من التنبيه بالكلام قبل أن يلاحظ أنّ هناك مَن يكلمه، وإلى لمسة قوية قبل أن يشعر بأنّ هناك مَن يضع يده عليه، وإلى الكثير من الحركة قبل أن يدرك متعة التحرك. كلّ الأصوات مهما كانت عالية، مثل صوت الباب عند إغلاقه بقوة، وصوت المكنسة الكهربائية، وصوت ضجيج الأطفال.. إلخ، لا تلفت انتباهه بسهولة كما الأطفال الآخرين. تكتشف أُم الطفل المنطوي على ذاته أنّها في حاجة إلى عشرين أو حتى أربعين ثانية من الجهد والكلام لكي ينتبه الطفل إلى ما تقول. وقد تكتشف أنّها في حاجة ماسّة إلى أضواء ساطعة، وإلى أصوات عالية، وإلى الكثير من الإيماءات والحركات لتحفزه، لأنّه ببساطة لا يبالي لأي نشاط يهدف إلى التخفيف من مزاجه.
قد يفضّل الطفل المنطوي العيش مع أفكاره وخيالاته الخاصة، على التفاعل مع العالم الخارجي. ونظراً إلى عدم قدرته على التفاعل مع المحفزات الخارجية، يجد من الأسهل عليه التآلف مع نفسه والانطواء على ذاته. ونظراً إلى الارتخاء النسبي في عضلات الطفل المنطوي على ذاته، ولعدم قدرته على التوازن والتركيز، فإنّه يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد ليزحف، أو يدفع لعبة أمامه، أو يصل إلى أي شيء، أو ليتسلق أي شيء. وكلما تطلبت المهارة التي يمارسها الطفل حركات جسدية قوية، مثل الرسم، ربط الحذاء، صعود الدرج، أو المشي في الغرفة من دون أن يتعثر بأي شيء، ازداد الأمر صعوبة عليه. قد يعاني الطفل المنطوي على ذاته صعوبات في عملية السمع، اللفظ وفي القدرة على التعبير على أفكاره بالكلام. وقد يتأخر قليلاً في الكلام، ويجد صعوبة في ما بعد في التعبير عن نفسه. فمن الصعب عليه إيجاد الكلمات ليصف ما يفعل أو بماذا يشعر أو ما يريد. قد يسهل على الأُم تجاهل الطفل المنطوي على ذاته أو التخلي عنه، نظراً إلى حاجته الدائمة إلى الكثير من الجهد لجذب انتباهه والفوز بمشاعره. إذا كانت نبرة أصوات الأشخاص القريبين منه منخفضة، فمن المحتمل ألا يكترث الطفل بهم. على الأهل أن يبذلوا الكثير من الجهد، وأن يتوافقوا مع مزاجه، ليساعدوه على الانخراط في عالمه والتفاعل معه واكتشافه والاكتراث له.
- الطفل الجريء:
يمكن أن يكون الطفل الجريء سلبياً، عنيداً، ومُحبّاً للسيطرة. وهو عادة يقوم بتنفيذ عكس ما يطلب منه، أو عكس ما يتوقع منه. ويواجه صعوبة في حالات الانتقال (من مرحلة إلى أخرى، من مكان إلى آخر، أو من حالة إلى أخرى.. إلخ) ويفضّل التكرار أو التغيير البطيء. ويميل إلى أن يكون مثالياً وقهرياً. في مرحلة الطفولة، يمكن أن يكون الطفل الجريء شديد الهيجان، صعب المزاج، ويقاوم أي تغيير في الروتين. أما في عمر سنة إلى ثلاث سنوات، يكون أكثر غضباً وجرأة وعناداً من معظم الأطفال في مثل سنّه. ويمكن أن يظهر حماسة ومرحاً شديدين في أوقات معيّنة. وعندما يقارب سن البلوغ، يمكن أن يصبح الطفل الجريء مولعاً بالجدل ويدخل دائماً في صراع قوة مع الآخرين. قد يحاول تجنّب الأوضاع الصعبة. وعلى عكس الطفل الحذر، يبقى الطفل الجريء متماسكاً عندما يرتبك، ويحاول السيطرة على عالمه بقوة. وعندما يكبر هذا الطفل قد تساعده جرأته ومثاليته في دراسته، وفي مجال العمل في المستقبل.
وكما الطفل مفرط الحساسية، يمكن أن يكون الطفل الجريء حساساً جدّاً للمسة، والصوت، واللمحة، والإيماءة. لكنه، وعلى عكس الطفل مفرط الحساسية، يستطيع أن ينظّم في ذهنه كلّ ما يراه وما يسمعه بشكل أفضل من العديد من الأطفال الآخرين. ويستخدم هذه القدرة القوية ليحمي ذاته من الارتباك عند اختبار شيء جديد. وهذا يعني أنّه يسيطر على بيئته، وعلى تصرفه الذي يتّصف بالعناد.
- الطفل المهمل:
لا يستطيع الطفل المهمل أن يبقى في مكان واحد، وأن يركز انتباهه على شيء واحد فقط. ويبدو الطفل المهمل ضجراً، ينتقل من مكان إلى آخر، ومن لعبة إلى لعبة، ومن نشاط إلى آخر. وقد يبدو أيضاً كثير النسيان وغير راغب في التحدث مع أحد. وقد يصعب فتح حوار، أو مواصلة الحديث معه، لأنّه ينتقل من موضوع إلى موضوع. هناك أسباب عديدة طبيعية أساسية تدفع بالطفل ليكون مهملاً وغير مبالٍ. تختلف تحديات هذه الأسباب الطبيعية باختلاف أنماطها. فبعض الأطفال يعاني صعوبات بسبب الطريقة التي يعالج بها ما يرى أو يسمع، والبعض الآخر بسبب الطريقة التي يتحرك بها، أو يستخدم جسده. وهناك مَن يعانون بسبب الطريقة التي تتفاعل بها أجسادهم مع العالم. إنّ كلّ الأطفال، الذين يقللون من تفاعلهم مع العالم، أو الذين يبالغون، يجدون صعوبة في التآلف والتركيز. ولكن، وبشكل خاص، يحتاج الأطفال الذين يقللون من تفاعلهم إلى تشجيع وتحفيز دائمين، لكي يصبح في إمكان خيالاتهم إثارة اهتمامهم، وألا يبقوا منطوين على ذاتهم وأفكارهم.
عندما لا يُظهر الطفل اهتماماً لأي شيء، ينصبّ تركيز الأُم حصرياً على هذه الخصائص المزعجة. فبدلاً من مساعدة الطفل على تطوير استراتيجيات وأساليب معينة، للتعويض عن الصعوبات التي يواجهها، تميل إلى التعامل مع الطفل، خاصة إن كان بالغاً، بقسوة مستخدمة لغة الأمر في الحديث معه، مثل: "افعل" و"لا تفعل" بدلاً من مناقشته للتوصل إلى الحل الوسط. إنّ أفضل وسيلة للتعامل مع الطفل المهمل أو اللامبالي، هي حثه على التفكير مليّاً قبل الإقدام على أي تصرف، ليتمكن من استنباط أساليب تساعده على التركيز على موضوع واحد. يستطيع الأهل مساعدة الطفل الذي يعاني صعوبات في التعامل مع المعلومة عبر أسلوب واحد، بتشجيعه على استخدام كلّ قواه في أساليب أخرى لاستنباط وسائل أخرى. فعندما يتعلم الطفل التركيز، تأخذ مهاراته وقُدراته الأخرى في الازدهار.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق